Aug 22, 2008

ثرثرة حول الحداثة

حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية عنوان كتاب اقتنيته منذ فترة طويلة و في كل مرة كنت أُؤجل قراءته ليس لعدم اقتناعي به أو بمؤلفه وإنما فقط لأني مزاجية بعض الشيء وهذه المزاجية تحكم قراءاتي وهي ليست بالمزاجية السلبية التي تكون عادة موجهه نحو الأخريين وإنما مزاجية مُوجِههَ لذاتي وهي أشبه بالاستعداد أو التهيوء النفسي لأمرٍ ما فمرات تكون مزاجيتي مغرمه بالفلسفة مما يعني أنه يتوجب علي أن أتجه إلى قراءة الكتب الفلسفية ومرات تكون مزاجيتي مصابه بحمى شعرية شديدة أطفئها بقراءة دواوين لشعراء أحبهم وهكذا هي حالي مع مزاجيتي المتسلطة علي. وكنت أنتظر رفع الحظر والإذن لي بقرأة الكتاب حتى تم ذلك, أمسكت به واتجهت نحو غرفتي أغلقت باب الغرفة حتى لا تُقطع علي خلوتي وهممت بالقراءة وما هي إلا بضع دقائق فقط...حتى بدئت أسمع طرقات على باب غرفتي "ليلى وعبير هنا أذهبي ل مقابلتهن" لاااااا زيارة مفاجأة ومتى؟ في هذا الوقت بالتحديد يبدو أنني مجبره على ترك هذا الكتاب.

ذهبت ل لقائهن وتحدثنا حول أمور عدة وقد حرصت على أن لا أبدي رأيي في القضايا والأمور التي أعرف مسبقاً أنهن معارضات لها لا لشيء سوى خشية اصدر فتوى شرعية في حقي. وظل الحديث هكذا حتى بدئت إحداهن تتحدث عن الدكتور عبدالله الغذامي وكيف أن أفكاره هدامة...الخ. سألتها إن كانت قد قرأت له من قبل فأجابت بالنفي!!! قلت لها سبحان الله وكيف حكمتي عليه وعلى أفكاره بأنها سيئة؟!! أجابتني بأنها استمعت ل أشرطة صوتية لفلان الفلاني يتحدث عنه وفلان الفلاني يحذر منه وفلان فلاني آخر يصفه بأنه حاخام!!! استمعت لكل هؤلاء ولم تستمع ل الشخص المتهم وتود مني أن أقتنع بحديث فلان الفلاني الذي لا يفقه شيئاً في تخصص النقد والأدب. أخبرتها بأنني لم أقراء ل الدكتور الغذامي من قبل ولا أستطيع أن أحكم عليه إلا بعد أن أنهي قراءة كتابه حكاية الحداثة. رفعت ليلى سبابة يدها اليمنى ورددت بأعلى صوتها "الحداثة...الحداثة...الحداثة " و عبير تنظر إلي و تستغفر وكأني قد نطقت كفراً قلت "لا إله إلا الله.. نعم الحداثة وما بها؟!!! صحيح أنني لم أقراء الكتاب ولا يحق لي الحديث حوله إلا بعد قرائته لكني على معرفة و دراية بالحداثة بحكم تخصصي وأعرف روادها في الأدب الإنجليزي وقد قراءت العديد من الأعمال الحداثية ولم أشعر ولو ل لحظة أنها خطر على القيم أو أنها حركة يهودية كما يقول فلان الفلاني" ظلت ليلى تحاول إقناعي بأن لا أقراء الكتاب و وعدتني بأنها سترسل لي أشرطة فلان و فلان حتى أقتنع بخطر الغذامي أخبرتها أنه لا حاجة لذالك ولا حاجة لأن تكلف نفسها هذا العناء لأنني لا أقبل الاستماع ل أشخاص ليست لهم دراسات وأبحاث في هذا المجال (النقد الأدبي ) , فاستنجدت ليلى بعبير لتساعدها في منعي من ارتكاب هذه الخطيئة , خطيئة القراءة ل الغذامي و أعادت عبير ما قالته ليلى والمصيبة الكبرى أن عبير هذه تخصصها أدب إنجليزي أي أنها درست أعمال ماثيو آرنولد وإليوت ودرست تاريخ الحداثة لكنها اليوم نسيت ما تعلمته بالأمس وأصبحت تردد ما يقوله فلان وفلان وأصبح الغذامي وغيره من الكتاب من المغضوب عليهم وأنا وغيري من القراء من حزب الضالين. وأقسم أنني أثناء حديثهم معي كدت أن أجن فآخر شيء كنت أتوقعه أن يأتيني أحدهم ويقول لي أن الحداثة أصلها يهودية أو أنها خطر على المجتمع وقيمه والحمد لله أن نقاشهن معي انتهى لأنهن فقدن الأمل في تغيير طريقة تفكيري لكنهن ختمن الجلسة (جلسة الزيارة التي تحولت إلى جلسة لمحاكمتي) بإصدار حكم شرعي على المتهمة أنا بأنني قريباً سأغير ديانتي وأضع الصليب على عنقي.

عدت إلى غرفتي و ارتميت على سريري استرجعت شريط الجلسة وجلست أفكر كثيراً في ردة فعلهن وتذكرت مقولة الروائي الأمريكي هرمان ميلفل Ignorance is the parent of fear ما يقوله ميلفل يفسر ما حدث فجهلهم هو مصدر خوفهم وارتعادهم من كل ما هو جديد عليهم لكن..لحظة...هذا ينطبق على ليلى بحكم ثقافتها التي تقتصر على مجال تخصصها العلمي ماذا عن عبير لما تصرفت هكذا؟!! لما أرتعدت حينما نطقت كلمة الحداثة؟!! فهي على دراية وعلم برواد الحداثة على الأقل في الأدب الإنجليزي. ولأني لم أجد الإجابة على تسأولاتي أمسكت الكتاب وحدثته قائلة "لعلك تجيب على تسأولاتي وتعينني على فهم من حولي وإن لم أجد ذلك لديك فلن أخسر شيء لأنني سأتعرف على الحداثة المحلية فمعرفتي بالأدب المحلي والعربي بسيطة جداً ومحاولاتي في التعرف عليه هي أشبه بمحاولات طفل صغير بدء يستكشف أصابع يديه وفمه"

أنهيت قراءة الكتاب وقد كان رائعاً جداً فمؤلفه حرص على تتبع التغيرات السياسية والاجتماعية وربطها بالحركة الأدبية وهذه هي الطريقة الصحيحة والسليمة في دراسة الأدب وهي بمثابة الجذور الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها كما أن الكتاب أمتاز بلغته السهلة البعيدة عن لغة البحوث الأكاديمية الصعبة التي قد لا يفهمها القارئ العادي وهذا يدل على أن المؤلف حرص على استخدام هذه اللغة حتى يستفيد من الكتاب عدد كبير من القراء أي أن ل الكتاب أهداف تثقيفية غير أن الكتاب يفتقر إلى المصطلحات النقدية الإنجليزية فالمؤلف اكتفى بأستخدم مصطلحات نقدية عُرِبت إلى العربية وقد واجهت صعوبة في معرفة مرادفها بالإنجليزية وكنت أتمنى أن يضع الكاتب في هامش الصفحة المصطلح بالعربية ومرادفه بالإنجليزية صحيح أنها غير مهمة لجميع القراء لكنها مهمة بالنسبة لي ولمن يهتم بمجال النقد.

وبما أن الكتاب قد أعجبني كثيراً فمؤكد أن تجربة قراءته كانت بالنسبة لي ممتعة جداً جداً وقد تعلمت أشياء كثيرة عن المجتمع السعودي وأولها عن المنطقة التي كنت أعتقد أنها أكثر المناطق انفتاحا في المملكة وقد أتضح لي أنها مثلها مثل بقية المناطق يقودها ويحكمها النسق وترفض كل ما يعارض هذا النسق ك رفضها لإحتضان الأديب السعودي حمزة شحاتة الذي كان من الممكن أن يحدث تأثيراً كبيراً في الفكر والأدب السعودي لكنه رُفِض لا بل قُتِل معنوياً لأن أفكاره الجديدة لا تتماشى مع المجتمع الساكن الذي يرفض المتحرك ويؤمن بأن الطريقة المثلى لإيقاف التفكير هي باللجوء إلى التكفير.

و ردة الفعل العنيفة التي نتجت لنشر الغذامي كتابه الخطيئة والتفكير من البنيوية إلى التشريحية - كما تحدث عنها الغذامي في كتابه حكاية الحداثة - تدل على أن النسق لازال يمارس سيطرته على المجتمع و لازال يتحدث بلغة تفتقر إلى الحوار لأنه لغته بنيت على الرأي الواحد لا على التعددية لذا يتم رفض الآخر المخالف ل المجتمع وهذا موجود حتى لدى بعض الأكاديميين فمثلاً صراع الغذامي مع بعض الأساتذة داخل قسم اللغة العربية والحركات الصبيانية التي قاموا بها ذكرتني بصراعاتنا داخل قسم اللغة الإنجليزية الذي يضم تخصص اللغويات وتخصص الأدب الإنجليزي وقد وصف أحد الأساتذة هذه الصراعات وصفاً دقيقاً لا يصف فقط الوضع في هذا القسم بل حتى يعكس صورة واقعية لحال الأمة , يقول هذا الأستاذ "نحن (يقصد بها أساتذة وطلاب الأدب) في نظر القسم ,قسم اللغة الإنجليزية, وفي نظر الجامعة شيعة وقسم اللغويات هم السنة" فدراسة الأدب الإنجليزي لازالت تعتبر من المحرمات والنقد الأدبي من الكبائر ونظرياته يهودية ومن يطبقها يصبح حاخام وهذا يفسر سبب رفض أحد الأشخاص ل النظريات الأدبية واعتماده على مقولته الشهيرة "البعره تدل على البعير" في تحليل ودراسة النص الأدبي وهذا كله نتاج لسيطرة النسق وتأثيره على طريقة تفكير المجتمع والذي كان أثره واضحاً على ليلى وعبير ورأيهم في الغذامي وكل من يقرأ له.

blog comments powered by Disqus