Nov 8, 2008

النرجسية

النرجسية صفة لا يمكننا نفيها كلياً عنا حتى لو كانت تصرفاتنا لا تعكس أي فعل نرجسي فهي تظل ملتصقة بنا لأنها ببساطة موجودة داخل كل شخص منا , فهنالك جانب نرجسي خفي يظل قابعاً في أعماقنا ولا يظهر على السطح إلا عند تعرضنا لموقف ما أو مرورنا بتجربة ما تفقدنا التوازن النفسي الذي كنا ننعم به. فالنفس البشرية السوية توازن بين حاجات الأنا , وهو الجانب الذي لا يهتم سوى بإشباع رغباته , وبين حاجات الأنا العليا , التي تهتم بالزواجر والجانب الأخلاقي. أي أن النرجسية تتمثل في جانب الأنا وفي ظل وجود الأنا العليا تظل النرجسية خفيه وغير مرئية ومتى ما غُيِبت الأنا العليا ظهرت النرجسية وأصبحت واضحة في تصرفات ذلك الشخص


أسبابها

أختلفت مدارس علم النفس في تحديد أسباب ذلك لكنها أتفقت جميعاً على أن سبب ظهور الشخصية النرجسية هو فشل الشخص في إنتقاله من عالمه الخاص إلى العالم الحقيقي الذي يتطلب منه أن يوازن بين الأنا و القواعد الأخلاقية التي تهتم بها الأنا العليا مما يؤدي إلى أن يظل الشخص متقوقعاً على ذاته لا يهتم سوى بإشباع رغباته فيؤثر ذلك على تصوراته وإدراكاته للعالم الخارجي فلا ينظر للخارج إلا من خلال زاويته الخاصة والضيقة


النرجسية والفردية

الفردية تحث الفرد على أن يحرر نفسه من قيود الجماعة و يكن ذاته, ورغم أنها تتمحور حول الذات إلا أنها تختلف عن النرجسية في كونها لا تنظر لبقية الأفراد من زاوية واحدة فهي لا تلغي الإختلافات الواقعه بينهم فكل فرد مختلف تماماً عن الآخر وكل فرد مهم ومميز عن باقي الأفراد. أما النرجسية فهي لا تؤمن بالإختلافات ولا تهتم ببقية الأفراد لأن الشخص النرجسي يؤمن بأنه أهم من باقي الأفراد وكل ما يخالف عالمه الخاص مرفوض


أثآرها

- عند الحوار أو النقاش مع الآخرين: يؤمن الشخص النرجسي بأنه دوماً على حق فرأيه وأسلوبه ونهجه هو الصواب وينبغي على الطرف الآخر في الحوار أن يعي ذلك ويأخذ بما يقول. ودوماً ما يفتقر حديثه إلى إستخدام المعايير الفكرية كدعم حديثه بالأدلة والبراهين ، فهو كثيراً ما يعتمد على معايير ذاتية يستمدها من عالمه الخاص فيقبل ما يوافقه ويرفض ما يتناقض معه.

- في العلاقات الاجتماعية: يستطيع أن يكون علاقات إجتماعية جيدة مع من حوله لكن الأنا تقف حاجزاً بينه وبين الآخرين فمصلحته الشخصية تأتي في المقدمة وهو دوماً يتوقع من الآخرين المزيد من العطاء و في المقابل لا يقدم شيء لهم وفورا إنتهاء مصلحته لا يمانع من إنهاء هذه العلاقة فالآخرين بالنسبة له غير مهمين.

-في مراكز السلطة والقرار المختلفة:لا يهتم سوى بالمنصب فيطلبه وإن حصل عليه يتمسك به حتى يشبع غروره ويشعر بالعظمة عند ممارسته سلطته على غيره , فيصبح المنصب غايته الأولى وخدمة الأشخاص المسؤول هو عنهم تأتي في آخر المراتب عنده. كما أن نرجسيته تأثر على قراراته فهي عادة ما تتسم بالفردية التي لا تقبل الأخذ برأي الأخرين ودوماً ما تكون مبنية على ظنونه المستمدة من حياته وتجاربه الخاصة.

- الإحجام عن بذل التضحيات: من الصعب جداً على الشخص النرجسي أن يفهم معنى التضحية فهو إعتاد على أن يأخذ أكثر من أن يعطي لذا نجده يحجم عن تقديم التضحيات التي لا تعود عليه بفائدة شخصية فلا يدعم أي حركة ما ولا يشارك في أي نشاط ما ولا حتى يتبنى أي قضية طالما أنها لن تفيده أو أنها ربما ستكلفه الكثير في مقابل حصوله على القليل. وتؤثر هذه النظرة في نظرته إلى الآخرين فهو يعتقد أنهم مثله لن يضحوا إلا لمصلحتهم الشخصية ولن يتبنوا قضية ما إلا لخدمة مصالحهم.


النرجسية على مستوى الجماعة

على المستوى الأفراد تتفاوت نسبة النرجسية من شخص إلى آخر , وإذا إجتمعت هذه الصفة في عدد كبير من الأفراد يجمعهم شيء مشترك بينهم عندها تتحول النرجسية من نرجسية على المستوى الفردي إلى نرجسية جماعية , فتشعر جماعة ما بأهميتها بطريقة مبالغ فيها جداً. أمثلة على ذلك كأن تعتقد جماعة ما أنهم أفضل الخلق وأنهم شعب الله المختار فقط لأنهم يدينون بديانة ما أو لأنهم ينتمون لوطن معين

هل هذا يعني أنه يمكننا أن نُعمِم النرجسية على مجتمع ما؟ من الناحية العلمية يصعب تعميم ذلك لأن المجتمع مكون من أفراد مختلفين عن بعضهم البعض فإن أصيب البعض بالنرجسية فهذا لا يعني أنه يتحتم على الآخر أن يصاب بها لكن قد تساعد بعض العوامل في ملاحظة نسبتها في المجتمع


وهل يعني ذلك أن الشخص النرجسي شخص سيء أو شرير؟ بالتأكيد لا فالشخص النرجسي مشكلته الوحيدة أنه لا يهتم إلا بنفسه وحتى حينما ينظر ل الآخرين فإنه لا ينظر إليهم إلا من خلال مرآته

أخيراً أعلم أنه يصعب علينا تحديد نسبة النرجسية في مجتمعنا لكن بعد قرائتكم لهذه التدوينه ومن خلال معرفتكم ودرايتكم بالمجتمع السعودي أي النسب تعتقدون أنها الأعلى لدينا (على مستوى المجتمع) نسبة النرجسية أم الفردية التي تؤمن بالإختلاف؟ لستم مضطرون على إجابتي لكن فكروا في الأمر قليلاً. وقبل أن أنسى هذه التدوينه كتبتها بناء على قراءاتي السابقة في مجال علم النفس وهي محاولة مني لفهم المجتمع وقد أكون أخطئت أو أصبت في ذلك.ا

blog comments powered by Disqus