Jun 30, 2008

دم يوسف

لقراءة الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني

( العمرُ لحظة )

"أرواحنا لا تشغل من فكرنا الكثير فمصيرها يحدده مسار طلقة...أو شظية يحولها القدر أنملة , يمنة...أو يسرة لتخطف الروح أو تبقيها...ويصبح عمرنا , كما قلت لك , لحظة , هي أوج العمر أو نهايته.

لحظة تفرض علينا...البقاء....أو....الاستشهاد , نحن لا نستشهد برغبتنا إنه قدر , يفرضه علينا , مسار شظية أو طلقة لتعبرنا...أو تستقر في أجسادنا...لتجعلنا إما أناساً عاديين , مجرد جنود عائدين من معركة.....أو تضعنا في سجل التاريخ أبطالاً"

يوسف السباعي

صمتاً مطبق...

يوسف لم يعد قادراً على النطق...ونحن أيضاً قد فقدنا قدرتنا على النطق منذ زمناً بعيد , غير أننا لازلنا أحياء أما يوسف فروحه قد غادرت جسده بفعل تلك الطلقة التي اخترقت جسده. و رغم أن ظروف ما قبل وما بعد الاغتيال لم تكن ظروفاً اعتيادية إلا أنها لم تنجح في وضع أسم يوسف في سجل التاريخ!!!

ترى هل كان هنالك خطباً ما بتلك الطلقة؟ الم تكن كافية لإنهاء حياة ذلك الإنسان؟ الم تكن سبباً مباشراً في نشوب نزاع بين قبرص ومصر؟ الم تؤدي إلى اشتعال حرب شبه مصغرة في مطار لارنكا؟ الم تكن سبباً في إزهاق حياة العديد من الجنود المصريين؟!! أم أننا نحتاج إلى المزيد من الطلقات لا لقتل ضحايا جدد بل فقط لنصوبها نحو أدمغتنا حتى لا ننسى دم يوسف؟

لا أعتقد أن الخراف التي هي نحن تجرئ على القيام بفعلاٍ شجاع كهذا. يوسف قُتل...وقد نتناسى كيف ولما تم ذلك لكن بالتأكيد اسمه سيبقى محفوراً في أذهان قرائه وعشاق الأدب فلقد قدم يوسف السباعي ل الأدب العربي 22 مجموعة قصصية و16 رواية ، و4 مسرحيات و 8 مجموعات من المقالات في النقد والاجتماع وكتاب في أدب الرحلات يحمل عنوان طائر بين المحيطين وعدة مقالات أخرى.

*****

أبرز ما امتازت به أعماله: من وجهة نظري الشخصية (كقارئة لهذا الكاتب) أستطيع أن أقول أن السمات البارزة التي تمتاز بها أعمال يوسف السباعي الروائية والقصصية أنها ترتكز على ثلاثة جوانب:

1. الجانب العاطفي sentimental: وأشدد هنا على استخدام مصطلح العاطفة حتى لا يتم المزج بينه وبين المفهوم الرومانسي الرومانطيقي الذي يتبعه رواد الحركة الرومانطيقية romanticism في نهاية القرن 18 ومنتصف القرن ال 19. القصص والروايات التي قراءتها ليوسف تستند على الجانب العاطفي فالقصة تدور حول علاقة حب مستحيلة إما من وجهة نظر المجتمع نفسه لسبب طبقي مادي كما في رواية إني راحلة أو من وجهة نظر شخصية رئيسية كشخصية نادية في الرواية التي تحمل ذات العنوان أو من وجهة نظر المجتمع والشخصية الرئيسية معاً كنعمت في العمرُ لحظة.

وصحيح أن يوسف أستند على هذا الجانب كثيراً في قصصه و رواياته لكن هذا الجانب ليس إلا بمثابة ستار أستخدمه يوسف ليخفي به بقية الجوانب الأخرى من عمله الأدبي.

2. الجانب السياسي العسكري: المهام العسكرية التي قام بها يوسف مكنته من تصوير بعض المعارك التي خاضها الجيش المصري مع الجيش الإسرائيلي وقد أجاد في ذلك كما أنه دعم هذه الصور برؤيا سياسية عسكرية. وقد يسيطر هذا الجانب على مجمل العمل الأدبي كما في العمر لحظة التي كانت تتحدث عن حرب الاستنزاف أو قد يكون عبارة عن جزء بسيط من العمل كما في نادية.

3. الجانب الاجتماعي: حرص يوسف على إبراز هذا الجانب في أعماله فقام بتسليط الضوء على الطبقة الأرستقراطية وحرص على إظهار جوانب الفساد والانحلال الموجودة فيها كما أنه عمل على نقد المجتمع بصفة عامة فمثلاً في قصته العمرُ لحظة يقول فيها:

"أنت فرد في مجتمع يخشى بعضه...مجتمع يتشارك السوء في باطنه ويتشارك داء الزيف في ظاهرة ...مجتمع يفعل الذنب ويستبشع فعل الغير له...مجتمع يسرق...و يدين السرقة...ويزني ويروعه الزنا...يسترخي في ارتياح الأبرياء الأطهار وراء ستار الخديعة والزيف والنفاق...ليشير بأصبع الاستنكار إلى الذين أسقطت الظروف عنهم ستر الزيف فتعرت الذنوب من ورائها..."

وإضافة إلى هذه الجوانب تميل كتابات يوسف إلى الواقعية سواء في رسمه لشخصياته أو في الأحداث التي تقع لهم أو حتى في الحوار القائم بين شخصياته. كما أن شخصياته الرئيسة تتميز بميزة تطويرية developmental بحيث أن الشخصية التي يتعرف عليها القارئ في بداية الرواية تختلف عنها في نهايتها.

ورغم عذوبة وسهولة أسلوب يوسف إلا أنه بهذه المميزات أستطاع أن يحتل المراتب الأولى في الأدب العربي المعاصر وأستطاع أن يخلد أسمه لتبقى ذكراه محفورة في أذهان الجميع فالعمرُ لحظة ينبغي استغلالها قبل أن تنهيها رصاصة طائشة.

...........

العنوان الثانوي والاقتباس في بداية المقال من قصة العمرُ لحظة ليوسف السباعي

blog comments powered by Disqus